فصل: سئل : عن السجود للتلاوة من غير طهارة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/ وسئل شَيْخ الإسْلاَم ـ رَحمه الله ـ عن الرجل إذا كان يتلو الكتاب العزيز بين جماعة، فقرأ سجدة، فقام على قدميه وسجد‏.‏ فهل قيامه أفضل من سجوده وهو قاعد أم لا‏؟‏ وهل فعله ذلك رياء ونفاق‏؟‏

فأجاب‏:‏

بل سجود التلاوة قائما أفضل منه قاعدا، كما ذكر ذلك من ذكره من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، وكما نقل عن عائشة، بل وكذلك سجود الشكر، كما روي أبو داود في سننه عن النبي صلي الله عليه وسلم من سجوده للشكر قائما، وهذا ظاهر في الاعتبار، فإن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد‏.‏

وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان أحياناً يصلي قاعداً فإذا قرب من الركوع فإنه يركع ويسجد وهو قائم، وأحياناً يركع ويسجد وهو قاعد، فهذا قد يكون للعذر، أو للجواز، ولكن تحريه مع قعوده أن يقوم ليركع ويسجد وهو قائم، دليل على أنه أفضل‏.‏ إذ هو أكمل وأعظم خشوعا لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة للَّه من القيام‏.‏

/ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحي، أو قيام ليل، أو غير ذلك، فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس، إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سراً للَّه مع اجتهاده في سلامته من الرياء، ومفسدات الإخلاص؛ ولهذا قال الفضيل بن عياض‏:‏ ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك‏.‏ وفعله في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته، ويشتغل قلبه بسبب ذلك، فإن الصلاة كلما كانت أجمع للقلب، وأبعد من الوسواس، كانت أكمل‏.‏

ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء، فنهيه مردود عليه من وجوه‏:‏

أحدها‏:‏ أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفاً من الرياء، بل يؤمر بها، وبالإخلاص فيها، ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه، وإن جزمنا أنه يفعلها رياء، فالمنافقون الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 142‏]‏، فهؤلاء كان النبي صلي الله عليه وسلم والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين، وإن كانوا مرائين، ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار / المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء، كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء؛ ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس‏.‏

الثاني‏:‏ لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم‏)‏‏.‏ وقد قال عمر بن الخطاب‏:‏ من أظهر لنا خيرا أحببناه، وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك‏.‏ ومن أظهر لنا شراً أبغضناه عليه، وإن زعم أن سريرته صالحة‏.‏

الثالث‏:‏ أن تسـويغ مثل هذا يفضـي إلى أن أهل الشـرك والفسـاد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهـر أمـراً مشروعا مـسنوناً، قالـوا‏:‏ هذا مراء، فيترك أهل الصـدق والإخلاص إظهـار الأمور المشروعة، حذرا من لمزهم وذمهم، فيتعطل الخير، ويبقي لأهل الشـرك شـوكة يظهـرون الشر، ولا أحد ينكـر عليهم، وهذا من أعظم المفاسد‏.‏

الرابع‏:‏ أن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ اليمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 79‏]‏‏.‏ فإن النبي صلي الله عليه وسلم لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابـة بِصُرَّة كادت يده تعجز من حملها، فقالوا‏:‏ هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع، فقالوا‏:‏ لقد كان الله غنياً عن صاع فلان، فلمزوا هذا وهذا، فأنزل الله ذلك، وصار عبرة فيمن يلمز المؤمنين المطيعين لله ورسوله‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل عن الرجل إذا تلي عليه القرآن فيه سجدة سجد على غير وضوء، فهل يأثم أو يكفر، أو تطلق عليه زوجته‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يكفر، ولا تطلق عليه زوجته، ولكن يأثم عند أكثر العلماء، ولكن ذكر بعض أصحاب أبي حنيفة أن من صلي بلا وضوء فيما تشترط له الطهارة بالإجماع‏.‏ كالصلوات الخمس، أنه يكفر بذلك، وإذا كفر كان مرتداً‏.‏ والمرتد عند أبي حنيفة تبين منه زوجته، ولكن تكفير هذا ليس منقولاً عن أبي حنيفة نفسه، ولا عن صاحبيه وإنما هو عن أتباعه، وجمهور العلماء على أنه يعزر، ولا يكفر إلا إذا استحل ذلك، واستهزأ بالصلاة‏.‏

وأما سجدة التلاوة، فمن العلماء من ذهب إلى أنها تجوز بغير / طهارة، وما تنازع العلماء في جوازه لا يكفر فاعله بالاتفاق، وجمهور العلماء على أن المرتد لا تبين منه زوجته، إلا إذا انقضت عدتها، ولم يرجع إلى الإسلام‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل عن دعاء الاستخارة، هل يدعو به في الصلاة أم بعد السلام‏؟‏

فأجاب‏:‏

يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة، وغيرها قبل السلام وبعده، والدعاء قبل السلام أفضل؛ فإن النبي صلي الله عليه وسلم أكثر دعائه كان قبل السلام، والمصلي قبل السلام لم ينصرف، فهذا أحسن‏.‏ والله ـ تعالى ـ أعلم‏.‏

/وقال شيخ الإِسلاَم أحمد بن تيمية ـ رَحِمه الله‏:‏

 فصل

في أوقات النهي، والنزاع في ذوات الأسباب، وغيرها‏.‏ فإن للناس في هذا الباب اضطراباً كثيراً‏.‏

فنقول‏:‏ قد ثبت بالنص والإجماع، أن النهي ليس عامًا لجميع الصلوات؛ فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فليصل إليها أخري‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فيتم صلاته‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏سجدة‏)‏‏.‏ وكلها صحيحة، وكذلك قال‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فليتم صلاته‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فليصل إليها أخري‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏سجدة‏)‏ وفي هذا أمره بالركعة الثانية من الفجر عند طلوع الشمس‏.‏

وفيه أنه إذا صلي ركعة من العصر عند غروب الشمس صحت / تلك الركعة، وهو مأمور بأن يصل إليها أخري‏.‏ وهذا الثاني مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء‏.‏

وأما الأول، فهو قول جمهور العلماء، يروي عن على، وغير واحد من الصحابة والتابعين، وعلى هذا مجمـوع الصحابة، فقد ثبـت أن أبا بكـر الصديق قرأ في الفجر بسورة البقرة، فلما سلم، قيل له‏:‏ كادت الشمس تطلع، فقال‏:‏ لو طلعت لم تجدنا غافلين‏.‏

فهذا خطاب الصديق للصحابة يبين أنها لو طلعت لم يضرهم ذلك، ولم تجدهم غافلين، بل وجدتهم ذاكرين الله، ممتثلين لقوله‏:‏ ‏{‏وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 205‏]‏، وهذا القول مذهب مالك، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر‏.‏

وهؤلاء يقولون‏:‏ يقضي ما نام عنه أو نسيه في أوقات النهي، ولكن أبو حنيفة ومن وافقه يقولون‏:‏ تفسد صلاته؛ لأنها صارت فائتة، والفوات عندهم لا يقضي في أوقات النهي، بخلاف عصر يومه فإنها حاضرة، مفعولة في وقتها‏.‏

واحتجوا بتأخير الصلاة يوم نام هو وأصحابه عنها حتى طلعت / الشمس‏.‏ وأجاب الجمهور بوجوه‏:‏

أحدها‏:‏ أن التأخير كان لأجل المكان؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏هذا وادٍ حضرنا فيه الشيطان‏)‏‏.‏

الثاني‏:‏ أنه دليل على الجواز لا على الوجوب‏.‏

الثالث‏:‏ أن هذا غايته أن يكون فيمن ابتدأ قضاء الفائتة‏.‏ أما من صلي ركعة قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الوقت‏.‏ كما قال‏:‏ ‏(‏فقد أدرك‏)‏‏.‏ والثانية تفعل تبعاً، كما يفعله المسبوق، إذا أدرك ركعة‏.‏ قالوا‏:‏ وهذا أولى بالعذر من العصر إلى الغروب؛ لأن الغروب مشهود، يمكنه أن يصلي قبله‏.‏ وأما الطلوع فهو قبل أن تطلع لا يعلم متي تطلع‏.‏ فإذا صلي صلي في الوقت؛ ولهذا لا يأثم من أخر الصلاة حتى يفرغ منها قبل الطلوع، كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم في أحاديث المواقيت، أنه سلَّم في اليوم الثاني، والقائل يقول‏:‏ قد طلعت الشمس أو كادت، وقال في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏وقت الفجر ما لم تطلع الشمس‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏وقت العصر ما لم تصفر الشمس‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ما لم تضيف للغروب‏)‏‏.‏ فمن صلي قبل طلوع الشمس جميع صلاة الفجر، فلا إثم عليه، ومن صلي العصر وقت الغروب من غير عذر، فهو آثم‏.‏ كما في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى / إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً‏)‏‏.‏

لكن جعله الرسول مدركا للوقت، وهو وقت الضرورة، في مثل النائم إذا استيقظ، والحائض إذا طهرت، والكافر إذا أسلم، والمجنون والمغمي عليه إذا أفاقا، فأما من أمكنه قبل ذلك، فهو آثم بالتأخير إليه، وهو من المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، ولكن فعلها في ذلك الوقت خير من تفويتها، فإن تفويتها من الكبائر‏.‏

وفي الصحيحين عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏من فاتته الصلاة ـ صلاة العصر ـ فكأنما وتر أهله وماله‏)‏‏.‏ وأما المصلي قبل طلوع الشمس فلا إثم عليه، فإذا كان من صلي ركعة بعد غروب الشمس غير متمكن فلا إثم عليه فمن صلي ركعة قبل طلوعها أو قد صلاها قبل أن يطلع شيء منها، فهو غير آثم أيضاً‏.‏

وقولهم‏:‏ إن ذلك يصلي الثانية في وقت جواز بعد الغروب، بخلاف الأول، فإنه يصلي الثانية وقت نهي‏.‏ يقال‏:‏ الكلام في الأمرين‏.‏ لم جوزتم له أن يصلي العصر وقت النهي مع أن النبي صلي الله عليه وسلم / إنما جعل وقت العصر ما لم تغرب الشمس، أو تضيف للغروب ولم تجوزوا فعل الفجر وقت النهي‏؟‏

الثاني‏:‏ أن مُصَلِّي العصر، وإن صلي الثانية في غير وقت نهي، فمصلي الفجر صلي الأولى في غير وقت نهي، ثم إنه ترجح عليه بأنه صلى الأولى في وقتها، بلا ذم ولا نهي، بخلاف مصلي العصر، فإنه إنما صلي الأولى مع الذم والنهي‏.‏

وبكل حال، فقد دل الحديث، واتفاقهم‏:‏ على أنه لم ينه عن كل صلاة، بل عصر يومه تفعل وقت النهي بالنص، واتفاقهم‏.‏ وكذلك الثانية من الفجر تفعل بالنص، مع قول الجمهور‏.‏ فإن قيل‏:‏ فهو مذمـوم على صـلاة العصـر وقت النهـي، فكيـف يقولـون‏:‏ لم ينه قبل الذم‏؟‏ إنما هو لتأخيرها إلى هذا الوقـت، ثم إذا عصي بالتأخـير أمـر أن يصليها فـي هذا الـوقت، ولا يفوتها، فإن التفـويت أعظـم إثماً؛ ولا يجـوز بحـال من الأحـوال، وكان أن يصليها مع نوع من الإثم خيراً من أن يفوتها، فيلزمه من الإثم ما هو أعظم من ذلك‏.‏

والشارع دائما يرجح خير الخيرين بتفويت أدناهما، ويدفع شر الشرين بالتزام أدناهما، وهذا كمن معه ماء في السفر هو محتاج إليه لطهارته، يؤمر بأن يتطهر به فإن أراقه، عصي وأمر بالتيمم، وكانت صلاته / بالتيمم خيراً من تفويت الصلاة، لكن في وجوب الإعادة عليه قولان، هما وجهان في مذهب أحمد، وغيره‏.‏

ومفوت الوقت لا تمكنه الإعادة‏.‏ كما قد بسط في غير هذا الموضع‏.‏ وبكل حال فقد دل النص مع اتفاقهم على أن النهي ليس شاملاً لكل صلاة، وقد احتج الجمهور على قضاء الفوائت في وقت النهي بقــوله في الحديــث الصحيــح المتفق عليه‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لهــا إلا ذلك‏)‏‏.‏ وفي حديــث أبي قتادة المتفق عليه، واللفظ لمسلم‏:‏ ‏(‏ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخري، فمن فعــل ذلك فليصلها حين ينتبــه لها، فإذا كان الغد، فليصلها عند وقتها‏)‏، فقد أمره بالصلاة حين ينتبه، وحين يذكر، وهذا يتناول كل وقت‏.‏

وهذا العموم أولى من عموم النهي؛ لأنه قد ثبت أن ذاك لم يتناول الفرض، لا أداءً ولا قضاءً، لم يتناول عصر يومه، ولم يتناول الركعة الثانية من الفجر؛ ولأنه إذا استيقظ أو ذكر، فهو وقت تلك الصلاة فكان فعلها في وقتها، كفعــل عصر يومه في وقتها، مع أن هذا معذور وذاك غير معذور لكن يقال‏:‏ هذا المفوت لو أخرهـا حتى يزول وقت النهي، لم يحصل له تفويت ثان بخلاف العصر، فإنه لو لم يصلها لفاتت، وكذلك الثانية من الفجر‏.‏

/فيقال‏:‏ هذا يقتضي جواز تأخيرها لمصلحة راجحة كما أخرها النبي صلي الله عليه وسلم، وقال‏:‏ ‏(‏هذا وادٍ حضرنا فيه الشيطان‏)‏ ومثل أن يؤخرها حتى يتطهر غيره، ويصلوها جماعة، كما صلوا خلف النبي صلي الله عليه وسلم صلاة الفجر لما ناموا عنها، بخلاف الفجر والعصر الحاضرة، فإنه لا يجوز تفويتها بحال من الأحوال‏.‏

وهذا الذي بيناه، يقتضي أنه لا عموم لوقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، فغيرهما من المواقيت أولى وأحرى‏.‏

 فصل

وروي جبير بن مطعم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلي أية ساعة شاء من ليل أو نهار‏)‏‏.‏ رواه أهل السنن‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ واحتج به الأئمة، الشافعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم، وأخذوا به وجوزوا الطواف والصلاة بعد الفجر والعصر، كما روي عن ابن عمر وابن الزبير وغيرهما من الصحابة والتابعين‏.‏

وأمـا في الأوقات الثلاثة، فعن أحمد فيه روايتان‏.‏ وآخرون من أهل العلم كأبي حنيفة ومـالك، وغيرهما، لا يرون ركعتي الطواف في / وقت النهي، والحجة مع أولئك من وجوه‏:‏

أحدها‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏(‏لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلي أية ساعة شاء من ليل أو نهار‏)‏، عموم مقصود في الوقت، فكيف يجوز أن يقال‏:‏ إنه لم يدخل في ذلك المواقيت الخمسة‏؟‏‏!‏

الثاني‏:‏ أن هذا العموم لم يخص منه صورة لا بنص ولا إجماع، وحديث النهي مخصوص بالنص والإجماع، والعموم المحفوظ راجح على العموم المخصوص‏.‏

الثالث‏:‏ أن البيت ما زال الناس يطوفون به، ويصلون عنده من حين بناه إبراهيم الخليل، وكان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه قبل الهجرة يطوفون به، ويصلون عنده، وكذلك لما فتحت مكة كثر طواف المسلمين به، وصلاتهم عنده‏.‏ ولو كانت ركعتا الطواف منهياً عنها في الأوقات الخمسة، لكان النبي صلي الله عليه وسلم ينهى عن ذلك نهياً عاماً، لحاجة المسلمين إلى ذلك، ولكان ذلك ينقل، ولم ينقل مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن ذلك، مع أن الطواف طرفي النهار أكثر وأسهل‏.‏

الرابع‏:‏ أن في النهي تعطيلا لمصالح ذلك من الطواف والصلاة‏.‏

/الخامس‏:‏ أن النهي إنما كان لسد الذريعة، وما كان لسد الذريعة، فإنه يفعل للمصلحة الراجحة، وذلك أن الصلاة في نفسها من أفضل الأعمال، وأعظم العبادات، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة‏)‏‏.‏ فليس فيها نفسها مفسدة تقتضي النهي، ولكن وقت الطلوع والغروب‏:‏ الشيطان يقارن الشمس، وحينئذ يسجد لها الكفار، فالمُصَلِّي حينئذ يتشبه بهم في جنس الصلاة‏.‏

فالسجـود ـ وإن لم يكونوا يعبدون معبــودهم، ولا يقصدون مقصودهم ـ لكن يشبههم في الصـورة، فنهى عن الصلاة في هاتين الوقتين سداً للذريعــة، حتى ينقطــع التشبه بالكفار، ولا يتشبه بهم المسلم في شركهم، كما نهى عن الخلوة بالأجنبيـــة، والسفر معها، والنظر إليها لما يفضي إليه من الفساد، ونهاهـا أن تسافــر إلا مع زوج، أو ذي محـرم، وكما نهى عـن سب آلهـة المشركين؛ لئلا يسبوا الله بغيــر علم، وكما نهى عن أكل الخبائث لما يفضي إليه من حيث التغذية الذي يقتضي الأعمال المنهــي عنها، وأمثال ذلك‏.‏

ثم إن ما نهى عنه لسد الذريعة يباح للمصلحة الراجحة، كما يباح النظر إلى المخطوبة، والسفر بها إذا خيف ضياعها، كسفرها من دار الحرب، مثل سفر أم كلثوم، وكسفر عائشة لما تخلفت مع صفوان بن / المُعَطَّل، فإنه لم ينه عنه، إلا لأنه يفضي إلى المفسدة، فإذا كان مقتضياً للمصلحة الراجحة، لم يكن مفضياً إلى المفسدة‏.‏

وهذا موجود في التطوع المطلق، فإنه قد يفضي إلى المفسدة، وليس الناس محتاجين إليه في أوقات النهي، لسعة الأوقات التي تباح فيها الصلاة، بل في النهي عنه بعض الأوقات مصالح أخر من إجمام النفوس بعض الأوقات، من ثقل العبادة كما يجم بالنوم وغيره‏.‏ ولهذا قال معاذ‏:‏ إني لأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي‏.‏ ومن تشويقها وتحبيب الصلاة إليها إذا منعت منها وقتاً، فإنه يكون أنشط وأرغب فيها، فإن العبادة إذا خصت ببعض الأوقات، نشطت النفوس لها أعظم مما تنشط للشيء الدائم‏.‏ ومنها‏:‏ أن الشيء الدائم تسأم منه، وتمل وتضجر، فإذا نهى عنه بعض الأوقات، زال ذلك الملل، إلى أنواع أخر من المصالح في النهي عن التطوع المطلق، ففي النهي دفع لمفاسد،وجلب لمصالح من غير تفويت مصلحة‏.‏

وأما ما كان له سبب، فمنها ما إذا نهى عنه فاتت المصلحة، وتعطل على الناس من العبادة والطاعة، وتحصيل الأجر والثواب، والمصلحة العظيمة في دينهم، ما لا يمكن استدراكه، كالمعادة مع إمام الحي، وكتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، ونحو ذلك‏.‏

/ومنها ما تنقص به المصلحة، كركعتي الطواف، لاسيما للقادمين، وهم يريدون أن يغتنموا الطواف في تلك الأيام، والطواف لهم، ولأهل البلد طرفي النهار‏.‏

الوجه السادس‏:‏ أن يقال‏:‏ ذوات الأسباب إنما دعا إليها داع، لم تفعل لأجل الوقت، بخلاف التطوع المطلق الذي لا سبب له‏.‏ وحينئذ، فمفسدة النهي إنما تنشأ مما لا سبب له دون ما له السبب، ولهذا قال في حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها‏)‏‏.‏

وهذه الوجوه التي ذكرناها تدل ـ أيضاً ـ على قضاء الفوائت في أوقات النهي‏.‏

 فصل

والمعادة‏:‏ إذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد تعاد في وقت النهي عند الجمهور ـ كمالك والشافعي وأحمد، وأبي ثور وغيرهم‏.‏

وأبو حنيفة، وغيره جعلوها مما نهى عنه، واحتج الأكثرون بثلاثة أحاديث‏:‏

/أحدها‏:‏ حديث جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال‏:‏ شهدت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف، وأنا غلام شاب، فلما قضي صلاته‏.‏ إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه، فقال‏:‏ ‏(‏على بهما‏)‏، فأتي بهما ترعد فرائصهما، فقال‏:‏ ‏(‏ما منعكما أن تصليا معنا‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ يا رسول الله، قد صلينا في رحالنا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة‏)‏‏.‏ رواه أهل السنن‏.‏ كأبي داود، والترمذي، وغيرهما، وأحمد والأثرم‏.‏

والثاني‏:‏ ما رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن بشر بن محجن عن أبيه‏:‏ أنه كان جالساً مع النبي صلي الله عليه وسلم فأذن للصلاة فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلى، ثم رجع وَمحْجَنُ في مجلسه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما منعك أن تصلي مع الناس‏؟‏ ألست برجل مسلم‏؟‏‏!‏‏)‏ قال‏:‏ بلي يا رسول الله‏!‏ ولكن قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت‏)‏ وهذا يدل بعمومه، والأول صريح في الإعادة بعد الفجر‏.‏

الثالث‏:‏ ما روي مسلم في الصحيح عن أبي ذر قال‏:‏ قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كيف أنت إذا كانت عليك أمراء / يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها‏؟‏‏)‏، قال‏:‏ قلت‏:‏ فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة‏)‏، وفي رواية له‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ وضرب فخذي ـ‏:‏ ‏(‏كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏صل الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل‏)‏، وفي رواية‏:‏ لمسلم ـ أيضاً ‏:‏ ‏(‏صل الصلاة لوقتها فإن أدركت الصلاة فصل، ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي‏)‏‏.‏

وهذه النصوص تتناول صلاة الظهر والعصر قطعا، فإنهما هما اللتان كان الأمراء يؤخرونهما، بخلاف الفجر، فإنهم لم يكونوا يصلونها بعد طلوع الشمس، وكذلك المغرب لم يكونوا يؤخرونها، ولكن كانوا يؤخرون العصر أحيانا إلى شروع الغروب‏.‏

وحينئذ، فقد أمره أن يصلي الصلاة لوقتها، ثم يصليها معهم بعد أن صلاها، ويجعلها نافلة، وهو في وقت نهي؛ لأنه قد صلي العصر، ولأنهم قد يؤخرون العصر إلى الاصفرار، فهذا صريح بالإعادة في وقت النهي‏.‏

/ فصل

والصلاة على الجنازة بعد الفجر، وبعد العصر، قال ابن المنذر‏:‏ إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد الفجر، وبعد العصر، وتلك الأنواع الثلاثة لم يختلف فيها قول أحمد أنها تفعل في أوقات النهي؛ لأن فيها أحاديث خاصة تدل على جوازها في وقت النهي، فلهذا استثناها، واستثني الجنازة في الوقتين، لإجماع المسلمين‏.‏

وأما سائر ذوات الأسباب‏:‏ مثل تحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، ومثل ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة،ومثل الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة، فاختلف كلامه فيها‏.‏ والمشهور عنه النهي، وهو اختيار كثير من أصحابه‏:‏ كالخِرَقي، والقاضي، وغيرهما‏.‏ وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة‏.‏ لكنْ أبو حنيفة يجوز السجود بعد الفجر والعصر، لا واجب عنده‏.‏

والرواية الثانية‏:‏ جواز جميع ذوات الأسباب، وهي اختيار أبي الخطاب، وهذا مذهب الشافعي، وهو الراجح في هذا الباب لوجوه‏:‏

/منها‏:‏ أن تحية المسجد قد ثبت الأمر بها في الصحيحين، عن أبي قتادة، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين‏.‏ قبل أن يجلس‏)‏، وعنه قال‏:‏ دخلت المسجد ورسول الله صلي الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس‏.‏ قال‏:‏ فجلست، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس‏؟‏‏)‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله، رأيتك جالسا والناس جلوس، قال‏:‏ ‏(‏فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين‏)‏، فهذا فيه الأمر بركعتين قبل أن يجلس، والنهي عن أن يجلس حتى يركعهما، وهو عام في كل وقت عموما محفوظاً لم يخص منه صورة بنص، ولا إجماع‏.‏ وحديث النهي قد عرف أنه ليس بعام، والعام المحفوظ مقدم على العام المخصوص فإن هذا قد علم أنه ليس بعام، بخلاف ذلك، فإن المقتضي لعمومه قائم لم يعلم أنه خرج منه شيء‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ ما أخرجا في الصحيحين عن جابر قال‏:‏ جاء رجل والنبي صلي الله عليه وسلم يخطب الناس فقال‏:‏ ‏(‏صليت يا فلان‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏(‏قم فاركع‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فصل ركعتين‏)‏‏.‏ ولمسلم قال‏:‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما‏)‏‏.‏ وأحمد أخذ بهذا الحديث بلا خلاف عنه، هو وسائر فقهاء الحديث، كالشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وابن / المنذر، كما روي عن غير واحد من السلف، مثل الحسن، ومكحول وغيرهما‏.‏

وكثير من العلماء لم يعرفوا هذا الحديث فنهوا عن الصلاة وقت الخطبة؛ لأنه وقت نهي، كما نقل عن شريح والنخعي وابن سيرين، وهو قول أبي حنيفة، والليث، ومالك، والثوري‏.‏

وهو قياس قول من منع تحية المسجد وقت النهي، فإن الصــلاة والخطيــب على المنبر أشد نهياً؛ بل هو منهي عن كل ما يشغله عن الاستماع، وإذا قال لصاحبــه أنصت فقد لغا، فإذا كان قد أمر بتحية المسجد في وقت الخطبــة، فهو في سائر الأوقــات أولى بالأمر‏.‏

وقد احتج بعض أصحابنا‏:‏ أنه إذا دخل المسجد في غير وقت النهي عن الصلاة، يسن له الركوع، لقوله‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب، فلا يجلس، حتى يصلي ركعتين‏)‏‏.‏ وقالوا‏:‏ تنقطع الصلاة بجلوس الإمام على المنبر، فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد ويوجز، وهذا تناقض بين، بل إذا كان النبي صلي الله عليه وسلم أمر بالتحية في هذا الموضع، وهو وقت نهى عن الصلاة وغيرها، مما يشغل عن الاستماع، فأوقات النهي الباقية أولى بالجواز‏.‏

يبين ذلك أنه في هذه الحال لا يصلي على جنازة، ولا يطاف / بالبيت، ولا يصلي ركعتا الطواف، والإمام يخطب‏.‏ فدل على أن النهي هنا أوكد، وأضيق منه بعد الفجر والعصر، فإذا أمر هنا بتحية المسجد، فالأمر بها هناك أولى وأحرى‏.‏ وهذا بين واضح، ولا حول ولاقوة إلا باللَّه‏.‏

الوجه الثالث‏:‏ أن يقال‏:‏ قد ثبت استثناء بعض الصلوات من النهي‏:‏ كالعصر الحاضرة، وركعتي الفجر، والفائتة، وركعتي الطواف‏.‏ والمعادة في المسجد‏.‏ فقد ثبت انقسام الصلاة أوقات النهي إلى منهي عنه ومشروع غير منهي عنه، فلابد من فرق بينهما، إذا كان الشارع لا يفرق بين المتماثلين، فيجعل هذا مأموراً، وهذا محظوراً‏.‏ والفرق بينهما، إما أن يكون المأذون فيه له سبب، فالمصلي صلاة السبب صلاها لأجل السبب، لم يتطوع تطوعا مطلقاً، ولو لم يصلها لفاته مصلحة الصلاة، كما يفوته إذا دخل المسجد ما في صلاة التحية من الأجر، وكذلك يفوته ما في صلاة الكسوف، وكذلك يفوته ما في سجود التلاوة، وسائر ذوات الأسباب‏.‏

وإما أن يكون الفرق شيئاً آخر، فإن كان الأول، حصل المقصود من الفرق بين ذوات الأسباب، وغيرها‏.‏ وإن كان الثاني، قيل لهم‏:‏ فأنتم لا تعلمون الفرق، بل قد علمتم أنه نهى عن بعض، ورخص في بعض، ولا تعلمون الفرق، فلا يجوز لكم أن تتكلموا في سائر موارد / النزاع، لا بنهي ولا بإذن؛ لأنه يجوز أن يكون الفرق الذي فرق به الشارع في صورة النص، فأباح بعضاً وحرم بعضاً، متناولا لموارد النزاع، إما نهياً عنه، وإما إذناً فيه، وأنتم لا تعلمون واحداً من النوعين، فلا يجوز لكم أن تنهوا إلا عما علمتم أنه نهي عنه؛ لانتفاء الوصف المبيح عنه، ولا تأذنوا إلا فيما علمتم أنه أذن فيه؛ لشمول الوصف المبيح له‏.‏ وأما التحليل والتحليل بغير أصل مفرق عن صاحب الشرع، فلا يجوز‏.‏

فإن قيل‏:‏ أحاديث النهي عامة، فنحن نحملها على عمومها إلا ما خصه الدليل، فما علمنا أنه مخصوص لمجيء نص خاص فيه خصصناها به، وإلا أبقيناها على العموم‏.‏

قيل‏:‏ هذا إنما يستقيم أن لو كان هذا العام المخصوص لم يعارضه عمومات محفوظة أقوي منه، وأنه لما خص منه صور، علم اختصاصها بما يوجب الفرق، فلو ثبت أنه عام خص منه صور لمعني منتف من غيرها، بقي ما سوي ذلك على العموم، فكيف وعمومه منتف‏؟‏، وقد عارضه أحاديث خاصة وعامة وعموماً محفوظاً، وما خص منه لم يختص بوصف يوجب استثناءه دون غيره، بل غيره مشارك له في الوصف الموجب لتخصيصه، أو أولى منه بالتخصيص‏.‏

/وحاجة المسلمين العامة إلى تحية المسجد أعظم منها إلى ركعتي الطواف، فإنه يمكن تأخير الطواف، بخلاف تحية المسجد، فإنها لا تمكن؛ ثم الرجل إذا دخل وقت نهى إن جلس ولم يصل، كان مخالفاً لأمر النبي صلي الله عليه وسلم، مفوتاً هذه المصلحة، إن لم يكن آثماً بالمعصية، وإن بقي قائماً أو امتنع من دخول المسجد، فهذا شيء عظيم‏.‏ ومن الناس من يصلي سنة الفجر في بيته، ثم يأتي إلى المسجد، فالذين يكرهون التحية‏:‏ منهم من يقف على

باب المسجد حتى يقيم، فيدخل يصلي معهم، ويحرم نفسه دخول بيت الله في ذلك الوقت الشريف، وذكر الله فيه‏.‏ ومنهم من يدخل ويجلس ولا يصلي فيخالف الأمر، وهذا ونحوه مما يبين قطعاً أن المسلمين مأمورون بالتحية في كل وقت، وما زال المسلمون يدخلون المسجد طرفي النهار، ولو كانوا منهيين عن تحية المسجد حينئذ لكان هذا مما يظهر نهى الرسول عنه، فكيف وهو قد أمرهم إذا دخل أحدهم المسجد والخطيب على المنبر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، أليس في أمرهم بها في هذا الوقت تنبيها على غيره من الأوقات‏؟‏

الوجه الرابع‏:‏ ما قدمناه من أن النهي كان لسد ذريعة الشرك، وذوات الأسباب فيها مصلحة راجحة، والفاعل يفعلها لأجل السبب، لا يفعلها مطلقاً فتمتنع فيه المشابهة‏.‏

/الوجه الخامس‏:‏ أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ أنه قضي ركعتي الظهر بعد العصر، وهو قضاء النافلة، في وقت النهي، مع إمكان قضائها في غير ذلك الوقت، فالنوافل التي إذا لم تفعل في أوقات النهي، تفوت هي أولى بالجواز من قضاء نافلة في هذا الوقت مع إمكان فعلها في غيره، لاسيما إذا كانت مما أمر به‏:‏ كتحية المسجد، وصلاة الكسوف‏.‏ وقد اختار طائفة من أصحاب أحمد منهم أبو محمد المقدسي أن السنن الراتبة تقضي بعد العصر، ولاتقضي في سائر أوقات النهي‏.‏ كالأوقات الثلاثة‏.‏

وذكر أن مذهب أحمد‏:‏ أن قضاء سنة الفجر جائز بعدها، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحي‏.‏ وقال الإمام أحمد‏:‏ إن صلاهما بعد الفجر أجزأه، وأما أنا فأختار ذلك‏.‏ وذكر في قضاء الوتر بعد طلوع الفجر أن المنصوص عن أحمد أنه يفعله‏.‏ قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يُسْأَل‏:‏ أيوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ وروي ذلك عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وحذيفة، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وفضالة بن عبيد، وعائشة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة‏.‏ وهو ـ أيضاً ـ مروي عن على بن أبي طالب‏.‏ وأنه لما ذكر له عن أبي موسي أنه قال‏:‏ من أوتر بعد المؤذن لا وتر له، وسألوا علياً‏.‏ قال‏:‏ أعرف‏.‏ يوتر ما بينه وبين الصلاة، وأنكر / ذلك ولم يذكر نزاعاً إلا عن أبي موسي، مع أنه لا ينبغي بعد الفجر‏.‏

قال‏:‏ وأحاديث النهي الصحيحة ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر، وإنما فيه حديث أُبَي، وقد احتج أحمد بحديث أبي نضرة الغفاري عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله زادكم صلاة

فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح‏:‏ الوتر‏)‏‏.‏ وهذا مذهب مالك والشافعي والجمهور‏.‏ قال مالك‏:‏ من فاتته صلاة الليل، فله أن يصلي بعد الفجر قبل أن يصلي الصبح، قال‏:‏ وحكاه ابن أبي موسي الخرقي في ‏[‏الإرشاد‏]‏ مذهباً لأحمد، قياساً على الوتر‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الذي اختاره لا يناقض ما ذكره الخرقي وغيره من قدماء الأصحاب، فإنه ذكر إباحة الأنواع الأربعة في جميع أوقات النهي‏:‏ قضاء الفوائت، وركعتي الطواف، وإذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد، وصلاة الجنازة، ولكن ذكر النهي عن الكسوف، وسجود التلاوة، في

بابهما‏.‏ فلم ينه عن قضاء السنن في أوقات النهي‏.‏

فاختار الشيخ أبو محمد وطائفة من أصحاب أحمد‏:‏ أن السنن الراتبة تقضي بعد العصر، ولا تقضي في سائر أوقات النهي، ولا يفعل غيرها من ذوات الأسباب، كالتحية، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستخارة،/ وصلاة التوبة، وسنة الوضوء، وسجود التلاوة، لا في هذا الوقت، ولا في غيره؛ لأنهم وجدوا القضاء فيها قد ثبت بالأحاديث الصحيحة، قالوا‏:‏ والنهي في هذا الوقت أخف من غيره، لاختلاف الصحابة فيه فلا يلحق به سائر الأوقات‏.‏ والرواتب لها مزية، وهذا الفرق ضعيف، فإن أمر النبي صلي الله عليه وسلم بتحية المسجد، وأمره بصلاة الكسوف وسجود التلاوة، أقوي من قضاء سنة فائتة، فإذا جاز هذا، فذاك أجوز، فإن قضاء السنن ليس فيه أمر من النبي صلي الله عليه وسلم بل ولا أمر بنفس السنة‏:‏ سنة الظهر، لكنه فعلها وداوم عليها، وقضاها لما فاتته‏.‏ وما أمر به أمته، لاسيما وكان هو ـ أيضاً ـ يفعله، فهو أوكد مما فعله، ولم يأمرهم به‏.‏

فإذا جاز لهم فعل هذا في أوقات النهي ففعل ذاك أولى، وإذا جاز قضاء سنة الظهر بعد العصر، فقضاء سنة الفجر بعد الفجر أولى، فإن ذاك وقتها، وإذا أمكن تأخيرها إلى طلوع الشمس أمكن تأخير تلك إلى غروب الشمس، وقد كانوا يصلون بين أذان المغرب وإقامتها وهو صلي الله عليه وسلم يراهم ويقرهم على ذلك وقال‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين صلاة‏)‏، ثم قال في الثالثة‏:‏ ‏(‏لمن شاء‏)‏، كراهية أن يتخذها الناس سنة‏.‏

/ فصل

والنهي في العصر معلق بصلاة العصر‏:‏ فإذا صلاها لم يصل بعدها وإن كان غيره لم يصـل، وما لم يصلها فله أن يصلي، وهذا ثابت بالنص والاتفاق، فإن النهي معلق بالفعل‏.‏وأما الفجر‏:‏ ففيها نزاع مشهور، وفيه عن أحمد روايتان‏:‏

قيل‏:‏ إنه معلق بطلوع الفجر، فلا يطوع بعده بغير الركعتين، وهو قول طائفة من السلف، ومذهب أبي حنيفة‏.‏ قال النخعي‏:‏ كانوا يكرهون التطوع بعد الفجر‏.‏

وقيـل‏:‏ إنـه معلـق بالفعل، كالعصـر‏.‏ وهو قول الحسن والشافعي‏.‏ فإنه لم يثبت النهي إلا بعـد الصلاة، كما في العصر‏.‏ وأحاديث النهي تسوي بين الصلاتين، كما في الصحيحين عن ابن عباس قال‏:‏ شهد عندي رجال مرضيون ـ وأرضاهم عندي عمر ـ‏:‏ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب‏.‏

/وكذلك فيهما عن أبي هريرة ولفظه‏:‏ وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب‏.‏ وفيهما عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس‏)‏، ولمسلم‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد صلاة الفجر ، وبعد صلاة العصر‏)‏، وفي صحيح مسلم حديث عمرو بن عَبَسَة قال‏:‏ قلت يا رسول الله، أخبرني عن الصلاة‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان‏.‏ وحينئذ، يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة محضورة مشهودة، حتى يستقل الظل بالرمح‏.‏ ثم أقصر عن الصلاة فإنه ـ حينئذ ـ تُسْجَر جهنم‏.‏ فإذا أقبل الفيء، فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان‏.‏ وحينئذ، يسجد لها الكفار‏)‏‏.‏

والأحاديث المختصة بوقت الطلوع والغروب، وبالاستواء‏:‏ حديث ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز‏.‏ وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب‏)‏ هذا اللفظ لمسلم، وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، قال‏:‏ ثلاث ساعات كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا‏:‏ حين تطلع / الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب‏.‏ ووقت الزوال ليس في عامة الأحاديث، ولم يذكر حديثه البخاري، لكن رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر، ومن حديث عمرو بن عَبَسَة، وتابعهما الصنابحي، وعلى هذه الثلاثة اعتمد أحمد‏.‏ ولما ذكر له الرخصة في الصلاة نصف النهار يوم الجمعة، قال‏:‏ في حديث النبي صلي الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه‏:‏ حديث عقبة بن عامر، وحديث عمرو بن عَبَسَة، وحديث الصُّـنَابِحي‏.‏

والخِـرقي لم يذكره في أوقـات النهي، بل قـال‏:‏ ويقضي الفوائت من الصلوات الفرض، ويركع للطواف، وإن كان في المسجد وأقيمت الصلاة‏.‏ وقد كان صلي في كل وقت نهي عن الصلاة فيه، وهـو بعـد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب‏.‏

وهذا يقتضـي أنه ليس وقـت نهي إلا هـذان، ويقتضي أن ما أباحه يفعل في أوقات النهي كإحـدي الروايتين، ويقتضـي أن النهي معلق بالفعـل، فإنه قال‏:‏ بعد الفجر حتى تطلـع الشمس، ولم يقل‏:‏ الفجر‏.‏ ولو كان النهي من حين طلوع الفجر لاستثني الركعتين، بل استثني الفرض والنفل‏.‏ وهذه ألفـاظ الرسول، فإنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، كما نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس‏.‏

/ومعلوم أنه لو أراد الوقت لاستثني ركعتي الفجر والفرض، كما ورد استثناء ذلك في ما نهي عنه، حيث قال‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين‏)‏، فلما لم يذكر ذلك في الأحاديث، علم أنه أراد فعل الصلاة كما جاء مفسراً في أحاديث صحيحة، ولأنه يمتنع أن تكون أوقات الصلاة المكتوبة فرضها وسنتها وقت نهي، وما بعد الفجر وقت صلاة الفجر سنتها وفرضها، فكيف يجوز أن يقال‏:‏ إن هذا وقت نهي‏؟‏ وهل يكون وقت نهي سن فيه الصلاة دائماً بلا سبب‏؟‏ وأمر بتحري الصلاة فيه‏؟‏ هذا تناقض مع أن هذا الوقت جعل وقتاً للصلاة إلى طلوع الشمس، ليس كوقت العصر الذي جعل آخر الوقت فيه إذا اصفرت الشمس‏.‏

والنهي هو لأن الكفار يسجدون لها، وهذا لا يكون من طلوع الفجر، ولهذا كان الأصل في النهي عند الطلوع والغروب، كما في حديث ابن عمر، لكن نهي عن الصلاة بعد الصلاتين سداً للذريعة فإن المتطوع قد يصلي بعدهما حتى يصلي وقت الطلوع والغروب‏.‏ والنهي في هذين أخف؛ ولهذا كان يداوم على الركعتين بعد العصر، حتى قبضه اللّه‏.‏ فأما قبل صلاة الفجر، فلا وجه للنهي، لكن لا يسن ذلك الوقت إلا الفجر سنتها وفرضها‏.‏

ولهـذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل، ويوتر، ثم إذا طلع الفجر صلى الركعتين، ثم صلى الفرض، وكان يضطجع أحيانًا / ليستريح، إما بعد الوتر، وإما بعد ركعتي الفجر، وكـان إذا غلبه مـن الليـل نوم أو وجـع صلى مـن النهار اثنتي عـشرة ركعـة بـدل قيامـه مـن الليـل، ولم يكـن يقضي ذلك قبـل صـلاة الفجـر؛ لأنـه لم يكـن يتسع لذلك، فإن هـذه الصـلاة فيها طـول، وكان يغلس بالفجـر‏.‏ وفي الصحيـح‏:‏ ‏(‏مـن نام عن حزبه فقرأه مـا بين صـلاة الفجـر وصـلاة الظهر،كتب لـه كأنما قرأه من الليل‏)‏‏.‏ومعلوم أنه لو أمكن قراءة شيء منـه قبل صـلاة الفجـر،كـان أبلغ، لكن إذا قرأه قبل الزوال، كتب له كأنما قرأه من الليل، فـإن هذا الوقت تابع لليلة الماضية، ولهذا يقال فيما قبل الزوال‏:‏ فعلناه الليلـة‏.‏ ويقال بعـد الزوال‏:‏ فعلناه البارحة، وهو وقت الضحي، وهو خلف عن قيام الليل‏.‏

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام عن قيامه قضاه من الضحي، فيصلي اثنتي عشرة ركعة‏.‏ وقد جاء هذا عن عمر وغيره من الصحابة في قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏62‏]‏‏.‏ فما بعد طلوع الفجر إنما سن للمسلمين السنة الراتبة، وفرضها الفجر، وما سوي ذلك لم يسن، ولم يكن منهيًا عنه إذا لم يتخذ سنة، كما في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة‏)‏، ثم قال في الثالثة‏:‏ ‏(‏لمن شاء‏)‏، كراهية أن يتخذها الناس سنة‏.‏

/فهذا فيه إباحة الصلاة بين كل أذانين، كما كان الصحابة يصلون ركعتين بين أذاني المغرب، والنبي صلى الله عليه وسلم يراهم ويقرهم على ذلك، فكذلك الصلاة بين أذاني العصر والعشاء، وكذلك بين أذاني الفجر والظهر، لكن بين أذاني الفجر الركعتان سنة بلا ريب، وما سواها يفعل ولا يتخذ سنة، فلا يدوام عليه، ويؤمر به جميع المسلمين، كما هو حال السنة، فإن السنة تعم المسلمين ويداوم عليها، كما أنهم كلهم مسنون لهم ركعتا الفجر، والمداومة عليها‏.‏

فإذا قيل‏:‏ لا سنة بعد طلوع الفجر إلا ركعتان، فهذا صحيح، وأما النهي العام فلا‏.‏ والإنسان قد لا يقوم من الليل فيريد أن يصلي في هذا الوقت، وقد استحب السلف له قضاء وتره، بل وقيامه من الليل في هذا الوقت، وذلك عندهم خير من أن يؤخره إلى الضحي‏.‏